سورة مريم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{تِلْكَ الجنة التى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا} أي نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها. وقيل: يرثون المساكن التي كانت لأهل النار آمنوا لأن الكفر موت حكماً {مَن كَانَ تَقِيّاً} عن الشرك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال: «يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا» فنزل {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ} والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الإطلاق والأول أليق هنا يعني أن نزولنا في الأحايين وقتاً غب وقت ليس إلا بأمر الله {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الملك ومشيئته، وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث من الأحوال لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه {رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من {ربك} أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السماوات والأرض. ثم قال: لرسوله لما عرفت أنه متصف بهذه الصفات {فاعبده} فاثبت على عبادته {واصطبر لِعِبَادَتِهِ} أي اصبر على مكافأة الحسود، لعبادة المعبود، واصبر على المشاق، لأجل عبادة الخلاق، أي لتتمكن من الإتيان بها {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} شبيها ومثلاً، أو هل يسمى أحد باسم الله غيره لأنه مخصوص بالمعبود بالحق أي إذا صح أن لا معبود توجه إليه العباد العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها.
فتهافت أبيَّ بن خلف عظماً وقال: أنبعث بعدما صرنا كذا؟ فنزل


{وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} والعامل في {إذا} ما دل عليه الكلام وهو أبعث أي إذا مامت أبعث وانتصابه ب {أخرج} ممتنع لأن ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها فلا تقول (اليوم لزيد قائم) ولام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال وتؤكد مضمون الجملة، فلما جامعت حرف الاستقبال خلصت للتوكيد واضمحل معنى الحال. و{ما} في {إذا ما} للتوكيد أيضاً فكأنه قال: (أحقًّا إنا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك) على وجه الاستنكار والاستبعاد. وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة، ومنه جاء إنكارهم {أَوْ لاَ يَذْكُرُ إلإنسان} خفيف شامي ونافع وعاصم من الذكر، والسائر بتشديد الذال والكاف وأصله {يتذكر} كقراءة أبيّ فأدغمت التاء في الذال أي أو لا يتدبر، والواو عطفت {لا يذكر} على {يقول} ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذلك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى فإن تلك أدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود. وأما الثانية فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردها إلى ما كَانتَ عليه مجموعة بعد التفريق {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه {وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} هو ذليل على ما بينا وعلى أن المعدوم ليس بشيء خلافاً للمعتزلة {فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أي الكفار المنكرين للبعث {والشياطين} الواو للعطف وبمعنى (مع) أوقع أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة. وفي أقسام الله باسمه ومضافاً إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} حال جمع جاث أي بارك على الركب ووزنه (فعول) لأن أصله (جثوو) كسجود وساجد أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم.


{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ} طائفة شاعت أي تبعت غاوياً من الغواة {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيّاً} جرأة أو فجوراً أي لنخرجن من كل طائفة من طوائف الغي أعتاهم فأعتاهم، فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب، نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم. وقيل: المراد بأشدهم عتياً الرؤساء لتضاعف جرمهم لكونهم ضلالاً ومضلين. قال سيبويه: {أيهم} مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته وهو (هو) من (هو أشد) حتى لو جيء به لأعرب بالنصب، وقيل: أيهم هو أشد وهذا لأن الصلة توضح الموصول وتبينه كما أن المضاف إليه يوضح المضاف ويخصصه، فكما أن خذف المضاف إليه في (من قبلُ) يوجب بناء المضاف وجب أن يكون حذف الصلة أو شيء منها موجباً للبناء وموضعها نصب ب (نزع)، وقال الخليل: هي معربة وهو مبتدأ وأشد خبره وهو رفع على الحكاية تقديره: لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد على الرحمن عتياً. ويجوز أن يكون النزع واقعاً على {من كل شيعة} كقوله {ووهبنا لهم من رحمتنا} أي لننزعن بعض كل شيعة فكأن قائلاً قال: من هم؟ فقيل: أيهم أشد عتياً، و(على) يتعلق بأفعل أي عتوهم أشد على الرحمن {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا} أحق بالنار {صِلِيّاً} تمييز أو دخولاً والباء تتعلق ب {أولى} {وَإِن مّنكُمْ} أحد {إِلاَّ وَارِدُهَا} داخلها والمراد النار والورود: الدخول عند علي وابن عباس رضي الله عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى: {فأوردهم النار} [هود: 98] ولقوله تعالى: {لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها} [الأنبياء: 99] ولقوله {ثم تنجى الذين اتقوا} إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول لقوله عليه السلام: «الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم وتقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي» وقيل: الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس {وإن منهم} وتحمل القراءة المشهورة على الإلتفات. وعن عبد الله: الورود الحضور لقوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} [القصص: 23] وقوله {أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] وأجيب عنه بأن المراد عن عذابها. وعن الحسن وقتادة: الورود المرور على الصراط لأن الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار. وعن مجاهد: ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لقوله عليه السلام: «الحمى حظ كل مؤمن من النار» وقال رجل من الصحابة لآخر: أيقنت بالورود؟ قال: نعم. قال: وأيقنت بالصدر؟ قال: لا. قال: ففيم الضحك وفيم التثاقل؟ {كَانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} أي كان ورودهم واجباً كائناً محتوماً والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم (ضرب الأمير).

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10